لم يكن أشد الناس فراسة يستطيع أن يتنبأ بهذا التدهور المريع في كيان ومقام دولة عربية بحجم مصر أو بحجم الجزائر ... إلى هذا الحد المرعب والمخيف ربطت كل دولة تاريخها وحضارتها وعقائدها ومبادئها ومصيرها في أقدام أحد عشر لاعباً يلعبون كرة قدم يركلونها هنا وهناك ومع كل ركلة تتطوح آمال وأحلام شعب بأكمله بسيادته ونظام حكمه ومواطنيه .. بل يحتجز بلد مواطني البلد الآخر الذين يعملون لديه كرهائن لحين إعلان النتيجة ويجعلونهم هدفاً للانتقام والمطاردة والاعتداء.. ينبري علماء الدين يخاطبون الأنظمة والشعوب (ضبط النفس)والتحلي بالروح الرياضية ... بينما تجيش الأنظمة وتجند جميع امكانياتها ودخلها القومي المهترئ لإقامة جسور طيران جوية تنقل جماهير شعبها وتحشد جميع طاقاتها وتوجه أجهزة إعلامها نحو هدف قومي لا محيد عنه ألا وهو الفوز في مباراة في لعبة كرة القدم !! وهي في سبيل ذلك تشحذ همم الجماهير بالأغاني الوطنية وأغنيات الحرب التي ولدت في خضم أقدس المعارك " الحربية" ضد اليهود .. إذ بالأنظمة توظفها في معركتها " الرياضية" ضد الدولة "العربية" الأخرى الشقيقة معتبرة أن النصر عليها في كرة القدم يعادل النصر على إسرائيل تماماً... والآن ما النتيجة ؟ ما الحصاد ؟ ... هزيمة مروعة .. ليست الهزيمة هي هزيمة مباراة... فكرة القدم تعتمد على تحالف الحظ مع التوفيق ... وليست دائما النتيجة يلزم أن تكون متوافقة مع التفوق .. لكن الهزيمة المروعة تمثلت في ذلك الشرخ العميق الذي أصاب جدار التلاحم والانتماء بين شعبين عربيين .. الهزيمة المروعة تمثلت في ذلك العداء الرهيب بين دولتين يربطهما تاريخ ومصير وعقيدة ولغة وانتماء .. الهزيمة المروعة تمثلت في تلك الأنظمة التي أرادت أن تغطي على (بلاويها) و(مصائبها) و(فسادها) و(ديكتاتوريتها) و ( أطماعها) عن طريق إلهاء شعوبها وتوجيه أنظارها وشحنها نحو مباراة كرة قدم لتوهم شعوبها أن مجدها وتاريخها ومصيرها وكرامتها وعزتها وكبرياءها .. كل ذلك يتوقف على هذه المواجهة الكروية والتي لا بديل عن النصر فيها ... لذا رأينا (قيادات) البلد كلها وكأن أرواحها معلقة في الهواء مع كل نطحة كرة أو كل ركلة كرة أو كل رفسة كرة !!!... ستنتهي المباراة بالفعل بصعود فريق أحد البلدين ( الخاسرين) إلى مونديال كأس العالم بجنوب إفريقيا... ولكن الحقيقة أنها انتهت قبل أن تبدأ .. انتهت بخسارة مشينة ومريعة ومهينة لكل من البلدين "اللذين ما عادا شقيقين " .. ولشعبيهما ولأنظمتهما ... انتهت بكفرنا بالعروبة .. وبالانتماء لها .. وبالكفر بثمة أمل يمكن أن يتحقق ولو في البعيد غير المنظور في أن تقوم لهذه الأمة قائمة ...
لقد خسر البلدان الغريبان الخصمان العــدوان .. خسرا كثيراً بسبب طيش أنظمتهما واللعب بمقدرات شعبيهما .. وصرف أنظار مواطنيهما عن قضاياهم المصيرية الحقيقية... بينما أعداؤهما ينظرون إليهما "عن قرب" وهم يهزأون .. وهم يسخرون.. وهم يضحكون... وهم يتغامزون ... علينا .. نحن المنهزمون !!!! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق