كان الفنان الجميل وديع الصافي حينما يصدح بأغنيته ( عظيمة يا مصر يا أرض النعم ) يبث فينا حماساً متدفقاً وحباً رقراقاً .. ولأنه قد انتهى وانتهى عصره .. وانتهى معه الزمن الجميل والفن الجميل .. وبعد أن هبت علينا أعاصير الانفتاح .. ثم انتهينا إلى مرحلة الانفساخ .. تحورت الأغنية على لسان شخصية العصر " اللمبي" التي تمثل الشاب الجاهل العبيط التلقائي طيب القلب سيء الحظ الفقير خفيف الدم الذي لا يعرف التحدث بلغة سليمة لضحالة بيئته ونشأته .. والجميل .!. أن شخصية "اللمبي" هذه أضحت هي الشخصية الأشهر في مصر والتي صارت كلماته المتكسرة وأمثاله المعطوبة وأغانيه المحرفة أقوالاً مأثورة وأمثالاً يحتذى بها تسري بين الناس مسرى النار في الهشيم .. وليس في هذا سوى دلالة على انحطاط عصر وضياع مصر ..
المهم .. في أحد أفلامه "طفحت" العاطفة الوطنية عند اللمبي.. وأراد أن يتغنى بحب مصر.. فاسترجع أغنية الرائع وديع الصافي (عظيمة يا مصر يا أرض النعم) ولكن ضحالة وركاكة اللمبي وجهله .. كل ذلك جعله ينطقها "عظيمة يا مصر يا أرض "اللوا ".. باعتبار أنه لا يعرف من أماكن مصر سوى منطقة "أرض اللواء".!.. رماها اللمبي بقصد المزحة .. وبقصد إضفاء الابتسامة على شفاه المصريين .. ولكنه كان – ودون أن يقصد- يؤصل حقيقة واقعية .. ويصف واقعاً ترزح مصر تحت وطأته .. للدرجة التي ببعض التأمل نستشعر أن الخطأ كان واقعاً في جانب وديع الصافي الذي جافى الحقائق بتعبير مبالغ فيه ليس له من الحقيقة نصيب .. حيث انسحبت النعم وانحسرت من أرضها وبقيت مصر هي أرض اللواء .. أو أرض اللواءات بالفعل .. فإنك تجد المناصب الإدارية والتنفيذية والسياسية بل والاقتصادية يقبع على صدرها رجال بدرجة لواءات جيش أو شرطة خرجوا على المعاش واستوطنوا هذه المناصب.. حيث يتم تعيينهم " وبكثرة عجيبة" كرؤساء الأحياء والمدن والأجهزة الرقابية والمؤسسات والهيئات الاقتصادية ومحافظين للأقاليم وذلك على حساب الكفاءات والمهنيين والمتخصصين من المدنيين .. فتسمع عن السيد اللواء المحافظ ." باستثناء محافظين المحافظات الحدودية فهو أمر له ضرورته" ... والسيد اللواء رئيس مدينة كذا .. والسيد اللواء مدير مشروع مرفق كذا .. والسيد اللواء رئيس مجلس إدارة هيئة كذا .. وهكذا.. ونظراً لتوحد العقلية العسكرية وانحسارها في مسار جامد لا يستجيب لمرونة الحياة المدنية ومتغيراتها . ما نتج عنه من قتل لروح التطوير أو التغيير أو التنمية أو الإبداع الخلاق وهو ما تخلف عنه هذا الجمود وذاك الركود الذي أصاب بنية مصر التحتية بالشلل ودمر مرافقها واضمحلت معه حياة المصريين واستحالت إلى مأساة أو ملهاة لا ندري إلى أين تقودنا .. وليت عند هذا واكتفينا .. ولكن يبدو أن استفحال هذا الأمر .. وكذا انتشار أغنية اللمبي (عظيمة يا مصر يا أرض اللوا) استشعر معها أحد السادة لواءات الشرطة أن مصر ليست هي "أمه" ولكنها " أرضه " كما قال اللمبي.. فقام السيد اللواء بتكوين شبكة لبيع أراضي في شرم الشيخ ودهب وطابا بجنوب سيناء إلى اليهود الصهاينة.. وهي مصيبة كبرى وجريمة عظمى حدثت منذ أشهر .. فقد أكدت مذكرة تحريات نيابة أمن الدولة العليا التي حملت رقم 39 أمن الدولة عليا بتاريخ 15 أبريل الماضي أن اللواء «م.ع» كان قد خرج إلي المعاش منذ عامين.. وأنه كان يشغل منصباً قيادياً بإدارة البحث الجنائي بوزارة الداخلية وأنه منذ خروجه إلي المعاش استغل علاقته الأمنية وقام بتأسيس شركة لبيع وشراء الأراضي الفضاء في سيناء وأنه سافر إلي تل أبيب أكثر من مرة خلال العامين الماضيين وأنه قام بمساعدة عدد من الصهاينة علي التحايل علي القانون الذي ينص علي حظر بيع الأراضي خاصة في سيناء إلي يهود أو صهاينة ومن أي جنسية وأنه قام بشراء الأرض بأسماء وهمية والتنازل من الباطن لهؤلاء الصهاينة.
كما أكدت التحريات بحسب ما هو منشور بصحيفة الكرامة المصرية أن اللواء المتهم والذي تم إلقاء القبض عليه في منتصف يوليو الماضي قد استضاف وفوداً من الصهاينة في منزله في منطقة المهندسين بمحافظة الجيزة وفي منزل مدير مكتبه «س. ل» والمقيم بمدينة نصر مقبوض عليه والمتهم الثالث «و.ج» والمقيم بشرم الشيخ الذي يعمل بنفس المكتب - هارب إلي لندن - وأنهم قاموا بجمع بطاقات شخصية تخص مجموعة من أقربائهم وأصدقائهم مقابل قيمة من المال لشراء الأراضي من مالكيها في المدن السابق ذكرها في سيناء ثم بيعها من الباطن بعقود ابتدائية إلي صهاينة من دول أوربية وأمريكا واستراليا وأنهم تمكنوا خلال عامين من شراء أكثر من 630 ألف متر في أكثر المناطق تميزا بهذه المدن. وأشارت المذكرة إلي أن المتهمين قاموا بالرغم من علمهم بالقانون ببيع أرض الوطن إلي مواطنين صهاينة لمساعدتهم علي تملك الأرض والاستيلاء عليها مثلما حدث في فلسطين قبل عام 1948، وقاموا باستضافة يهود أجانب والتجول بهم عبر محافظات مصر والإقامة في عدد من الفنادق دون مبرر من الزيارة أو سبب معلوم منطقي سوي مساعدتهم في الحصول علي معلومات وأخبار بما يضعهم تحت طائلة القانون ويؤكد مساعدة المتهمين لأعوانهم في التخابر ضد مصلحة الوطن والتجسس علي وطنهم لصالح دولة (إسرائيل).(( انتهى الخبر ..
فإذا كان هذا حال القائم على حماية أمن مصر وجبهتها الداخلية وهو برتبة لواء "على المعاش" .. يقوم ببيع أو بإهداء أرض الوطن للصهاينة لقاء دراهم قليلة وكان فيها "في الأرض" من الزاهدين .. تلك الأرض التي استرددناها بدماء عشرات الآلاف من أبناء مصر الشهداء والجرحى .. فماذا ننتظر من غيره ؟!!.. وراحت عليك يا عم وديع الصافي .. أو بالأحرى راحت علينا .. وصدق اللمبي .. عظيمة يا مصر يا أرض السيد " اللوا "..!!
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق