لتدوين مرحلة جديدة وجد خطيرة من مراحل العمر .. مرحلة أخرجتنا من حديث النفس المكتوم إلى الانفتاح على عالم له خواصه وسماته وشخوصه ومسرحه الخاص ..
التدوين يجعلك تمارس كل الأدوار .. دور البطولة.. ودور المؤلف.. ودور المخرج.. ودور المشاهد .. ودور المراقب .. فيه تبادل للكراسي لا يهدأ .. فيه معارك معلنة وخفية .. وفيه صداقات وعداوات .. وفيه أحلاف وجبهات .. وفيه معاهدات غير مكتوبة.. وفيه علاقات حميمة وخصومات ذميمة ..
التدوين خلق عالماً خاصاً للمدون .. خاصاً بالمدون .. خاصاً داخل المدون ..
لا أذكر أن هناك ساعتان كاملتان مرتا في حياتي مذ طرقت باب إيلاف دون أن يشرد ذهني نحوها .. أتخيل الواجهة أو من كتب فيها .. فلان فيما أشعله أمس من حرائق وعلان فيما علق عليه ومن انضم إلى هذا ومن انضم إلى ذاك .. وماذا قيل في الموضوع وما أهمية هذا الموضوع وما المستفاد منه وما هي سبل الرد عليه .. ارتفعت عندي ساعات القراءة عن ذي قبل – وأنا بطبيعتي أهوى القراءة- ولكن التدوين الإيلافي فرض علينا طرق أبواب ما كنا نتخيل أن نقربها أو نطرقها .. من جماع كل ذلك تكونت عندي وأعتقد عند غيري صورة لمن عايشناهم في إيلاف – وأحدد إيلاف بالذات لأنني لا أعرف غيرها – من المدونين بل والمداومين على ارتياد إيلاف من المعلقين شبه المنتظمين ..
رغم أن وسيلة التواصل والتعامل محددة ومنحصرة في شيئين لا يتغيران ولا يتبدلان .. هما الشاشة ولوحة المفاتيح .. لا حركة .. لاصوت سوى قرقعة المفاتيح .. والأفكار التي تصطرع في رأس المدون لا تسمعها إلا نفسه .. ولكن .. شيئاً ما تكون في نفسي تجاه الزملاء من مدوني إيلاف ومرتاديها من المعلقين ذوي الاستمرارية .. فرغم أن كثيراً منهم لايضع صورة لنفسه إلا أن كتاباته شكلت ملامح لشخصيته ولشكله ولصورته انطبعت في ذهني .. قد توافق الحقيقة وقد تخالفها ..ولكنها صارت صورة ثابتة عندي لا تتغير .. صار لكل مدون عندي صورة وصوتاً مميزاً لا يخالطه أو يشابهه صوت مدون آخر .. صارت عندي صورة لزين الدين الكعبي وصوت له كونتهما ملامح كتاباته ونهجه وخطه البياني .. وكأني أعرف زين الكعبي معرفة شخصية .. تعليقاته أو محاوراته أشعر أنها صوتية لا مكتوبة مصمتة .. أما الزملاء الذين لهم صورة شخصية على مدوناتهم فهم قد وفروا عليّ نصف الطريق فلم أعد بحاجة إلا في تخيل نبرة صوتهم المتوافقة مع صورتهم.. وهذه أيضا تحددها لغتهم في الكتابة من حيث الحدة أو الهدوء ومن حيث القوة أو اللين.. ومن حيث نوع الموضوعات التي دائما ما يلج إليها ويتناولها .. فمثلاً عمنا الكبير محمد عابدين له في أذني نبرة صوت مميزة وأكاد أسمع محاوراته وخناقاته في مواضيعه الملتهبة الصاخبة ودائما ما أتخيله في كل موضوع وكأنه في وسط حلبة مصارعة رومانية اختار مسرحها ومصارعيها وجمهورها بنفسه.. وفي كل مرة يخرج منها مقسما بكل غال أن يعود لاستئناف معاركه ويا قاتل يا مقتول .. . من مجمل ما سبق فإنني وأعتقد ان هناك من يشاركني ذلك أشعر بصخب مدونات إيلاف في أذني .. وأصوات وصور الزملاء المدونين تتماثل أمام عيني ... صنعها خيالي كمثل ما تفعله أجهزة التحري بإدخال بيانات عن شخص معين إلى الكومبيوتر فيصنع أو يرسم من مجموع هذه البيانات صورة لملامح الشخصية قد تكون قريبة جداً من الحقيقة ..
منذ فترة غير قليلة وهذا الهاجس لا يفارقني .. وما دفعني إلى الكتابة عنه هو طلب الزميل مفيد السالمي من إدارة مدونات إيلاف بث موسيقى هادئة يسمعها المدونون عند دخولهم أو مع بقائهم على صفحات مدونات إيلاف لقتل الصمت المطبق .. أعتقد أن حتى الزميل مفيد السالمي له عند صورة وصوتاً مميزاً خلقتهما كتاباته في ذهني .. وكأن طلبه لإيلاف سمعته بأذني ولم تقرأه عيني ..
تحية له فهو بطلبه هذا دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع ..
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق