هذا هو الجرح الذي في القلب لا يندمل .. هذا هو الذنب الذي لا يمحى ولا يغتفر .. عبدالحميد علي شتا .. سوط العذاب الذي يجلد قلبي كلما ذكرته وتذكرته .. عبدالحميد علي شتا .. صوت الضمير الحي الصارخ في الجسد المنهك المحتضر .. لا يأتي ذكره على لساني .. إلا وتنسرب من سراديب الذاكرة .. وتتقاطر من شرايين الوجدان عصارات الألم والشعور القاتم القاتل بالذنب الرهيب .. ويسري في يقيني يقين بأننا حتماً لا بد وأن ندفع الثمن... وها نحن ندفعه ونجرعه كمثل السم الزعاف جزاء وفاقاً لما ارتكبناه من ذنب عظيم و جرم أثيم في حق عبدالحميد ..وكل عبدالحميد.. وإليكم حكايته : عبدالحميد على شتا .. بذرة طيبة عفية غرستها يد الفلاح الطيب الحاج(علي شتا) في تراب مصر ... وسقاها بدمع عينه وبمهجة فؤاده وبعرق جبينه الحلال وشقى سنين عمره .. فأنبتت سنبلة خضراء اشتد عودها واكتست بلون ذهبي فيه سمرة المصري وأصالة المنبت .. وسماه عبدالحميد .. دخل عبدالحميد المدرسة .. كان مجتهداً .. بقي متفوقاً .. صار نابغة .. زاحم أبناء الذوات .. ناطح أولاد علية القوم ... حصل على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة .. ولأن والده رجل رقيق الحال .. وحتى لا يكون عبئاً على أسرته.. قرر أن يجتهد لينفق على نفسه وليساعد أخويه أحدهما التحق بكلية الطب والثاني في الدراسة الثانوية .. كان عبدالحميد شتا محل تقدير وإعجاب شديد من قِبل أساتذته في كلية الاقتصاد و العلوم السياسية و يتوقعون له مستقبلا مبهراً .. كان شعلة نشاط .. يكتب في مجلة السياسة الدولية و مجلة النهضة التي تصدرها الكلية.. كما أنتج العديد من الأبحاث التي قدمها في العديد من المسابقات و نال بها المركز الأول .. لذلك كان له امتياز المشاركة في المؤتمرات العلمية التي تعقدها الكلية .. حصل عبدالحميد على شهادات منها : (الطالب المثالي) و(درجة الامتياز في دورة في مجال تكنولوجيا المعلومات ) (في الدورة التأهيلية للالتحاق بالسلك الدبلوماسي) وغيرها .. كما احترف الترجمة لأكثر من لغة لينفق من ناتج كسبه على نفسه وتعليم أخويه ومساعدة والده الكادح الشريف .. وأخيراً تقدم عبدالحميد شتا إلي اختبارات جهاز التمثيل التجاري للحصول علي وظيفة ملحق تجاري . اجتاز كل اختبارات الشفوي و التحريري و الهيئة بنجاح ... و كان ترتيبه المبدئي في تلك الاختبارات "الأول" علي 43 شاباً وصلوا إلي التصفيات النهائية...... المفارقة.... أن الـ42 الذين نجحوا معه في الاختبارات كانوا جميعا ضمن كورس من كورسات كلية الاقتصاد و العلوم السياسية .. وكان "عبد الحميد شتا مكلفا من قِبَل وكيل الكلية بالإشراف علي الطلبة !! أي أن "عبد الحميد شتا" كان يدرس لهؤلاء الذين ينافسونه علي الوظيفة !! ويوم ظهور النتيجة .. ارتدى عبدالحميد (بذلته) التي لم ينل تواضعها شيئاً من أناقته .. وتوجه إلى مكان إعلان النتيجة .. وهو يتخيل كم التهنئات والتبريكات بنجاحه الساحق وكيفية رده المتواضع عليها .. وصل عبد الحميد ... نظر في كشف الناجحين .. فوجئ بعدم وجود اسمه كما تعود في الأول ... ولا الثاني لم يجد اسمه .. ولا حتى الأخير .. لم ينجح عبدالحميد .. نعم رسب عبدالحميد !! جميع المتقدمين نجحوا وعبدالحميد الوحيد الذي رسب !! كان المتقدمون للامتحان (43) منهم عبدالحميد .. والناجحون في الامتحان (42) بدون عبد الحميد !!.. نجح الجميع إلا عبدالحميد .. وجد عبدالحميد "الراسب الوحيد " سبب رسوبه بجوار اسمه .. .. إنه غير لائق اجتماعياً !! نعم غير لائق اجتماعياً ... فقير.. ابن فقير .. ابن فلاح .. ياللشفافية والصدق !! ألجمته المفاجأة .. أخرسته .. قتلته .. مرغت به أرض الذهول .. استدار عبدالحميد من فوره .. لم يحدث أحداً .. لم يحتج .. لم يبد تبرماً .. أو حتى تأسفاً .. وخرج إلى الطريق .. وفي الطريق أجرى اتصالاً بشقيقه الطالب الذي ينفق عليه .. اطمأن عليه .. ثم واصل سيره . كأنه كان يعرف وجهته جيداً... ومن فوق أحد كباري النيل .. ألقى عبدالحميد شتا نفسه في مياه النيل .. ليبتلع النهر السنبلة التي رواها .. ثم في جوفه .. واراها .. ماتَ عبدالحميد شتا .. ليعلن موت طمي النيل الذي كف عن طرح السنابل ولتبقى الأرض من بعده عجفاء لايرويها الماء العطن الآسن وإن رواها لاتنبت إلا نباتاً ميتاً آسناً عطنا.. مات عبدالحميد الفقير الغير لائق اجتماعيا وبقي الذين حكموا عليه بالرسوب وبالموت يحتكمون وتحكمون برقبة المناصب الدبلوماسية فآلت مصر إلى ما آلت إليه وانحدرت إلى درك الهاوية .. مات عبدالحميد .. ليعلن وفاة الضمير .. وسيادة الفساد .. وهيمنة التنطع والمتنطعين على مصائر العباد في بلد الحضارة والأصالة .. مات عبدالحميد .. لنبقى بعده رهينة بيد الجهلاء .. الذين مرغوا سمعتنا في وحل الدبلوماسية وجعلونا مسخة بين الدول .. وما (بولندا ) عنا ببعيد .. مات عبدالحميد .. .. وترى.. كم ألف عبدالحميد ماتوا من قبله ومن بعده انتحارا.. أو قهراً .. أو كمداً ..أو يأساً .. أو قتلاً ..أو تنكيلاً .. مات عبدالحميد .. وبقي اللائقون اجتماعياً .. اللائذون بحصانة ذويهم .. الرابضون على مقدراتنا .. الجاثمون على صدورنا .. الفاضحون لجهلنا .. البائعون لتاريخنا .. الممرغون لسمعتنا بين أراذل الأمم بعد أن كنا ... وكنا .. وكنا .. كان هذا ديناً في رقبتي لك يا عبدالحميد .. من يوم أن عرفت قصتك .. دون أن أعرفك .. واليوم أكتب عنك بمناسبة ما فعله أبناء الأكابر واللائقون اجتماعياً في مصر وباسم مصر في " بولندا " وهذا خطاب لك يا عبد الحميد لم أتوصل "للأسف" لاسم مرسله: اُنضغ " لِبانة " ياعبد الحميد .. شِد القميص مِن عَند وِسطك إرفعه .. عَرى بَطنك ، رَبّى شَعْرك ، إلبسْ حَلقْ .. أقفْ على كل النواصي بالساعات .. عاكِسْ بناتْ .. أقعد على كل القهاوي.. إشربْ قهاوي ، إضربْ شيشات.. مَصْمص شفايفك لما حد يكلّمك " مرسيه و نوه ".. غيّر فى شكلك زي كل المطربين والمطربات.. إنسي إن أهلك فلاحين .. وإن أبوك رباك .. وإنه حتى علّمك إنك " ولد ".. بينك وبين نفسك قول انه "مدفون فى البلد".. واحتقره قول " فلاح كمان ".. ميّس على البنت اللي ممكن تعجبك .. قول " بابي ، مامى ، طنط ، أونكل ".. واشرب معاها "نسكافيه ".. عارفك ياواد ما انت ابن إيه .. قصدي ابن بيه.. تقدر تغّير كل ثانية قِناع فى وشـّـك.. تقدر تغّير معدنك ، تقدر تغشـّـك .. قدم أوام لو يطلبوك فى الامتحان الدبلوماسي.. قول ان جدك باشا سابق .. قول كان سياسي.. هجـّص وغيـّر لهجِتـك.. واقعـد قصـاد اللجنة متقنصل و راسي.. قول " بابي " عنده عزبة ، قول عزبتين.. قول عندنا ناس فلاحين ( قولها بقرف).. قول إننا بنعاني كل لحظة من الترف.. سوق فى البلاهة واسأل كمـان .. يعنى إيه كلمة "شرف" ؟ طـَّوح دِماغك فى الهوا واضحك وقول : الكلبة " لوسي " جالها بس من يومين حبة مغص.. استدعى "دادي" الخدامين ،طلب الحرس .. " قنصولتو " مصري ، أجنبي بسرعة يا ولاد الكلاب.. طِلِع ان " لوسي " عندها "جاست " اكتئاب .. سـلّم على كل " الأفاضل " باحتقار.. هيسلموا.. وهينحنوا قـّدام وسامة حضرتك.. وهتبقى زيـّك زيهم .. واحد "محفلط " منهم.. لايق وعايق واجتماعي .. أوعك ياخايب تنتحر على أى داعي .. دوس ع الأفاعي.. قصدي دوس ع الفلاحين.. واكتب أوام فى أجندتك.. هتقضى " الويك إند " فين.. انضغ لبانة يا عبد الحميد ، اشرب كاسين.. وأنا باعتذر نيابة عنك للجميع.. أرجوكم منى ماتزعلوش .. أنا برضه باضحك ع الغلابة بكلمتين .. خسارتك يا عبدالحميد .. قصدي خسارتك يامصر... ابنك عبدالحميد ... |
طباعة الموضوع حفــظ الموضوع المفضلـة أرسل المــوضوع Face Book أبلغ عن إساءة |
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق