" وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" 00" العدل أساس الملك"
لا تكاد تخلو قاعة محكمة ومنصة قضاء في مصر دون أن تكون إحدى هاتين العبارتين معلقة على جدار "خلف ظهر" القاضي وفي مواجهة المتقاضين00
ومن على منصة القضاء تصدر الأحكام على أنواعها ما بين الإدانة والبراءة والإلزام والإبراء من الالتزام وغير ذلك00
ويبدو أن المسافة بين منصة القضاء وبين الحائط المعلقة عليه إحدى هاتين العبارتين زادت اتساعا وبعدا لدرجة أن لم يعد يلحظ أحد وجودها وفقدت تأثيرها وأثرها في القضاة والمتقاضين على السواء00
لذا يثور التساؤل 00
هل يستلهم القضاة في أحكامهم هذا " العدل" الذي أمرهم ربهم أن يحكموا به بين الناس!!!!
في ظل هذا البحر المائج بفقدان الناس الثقة في كل شئ حتى في أنفسهم 0 وسيادة الفساد واستشراء الظلم وطغيان السلطة التنفيذية على جميع مناحي الحياة وبصمتها الواضحة على المواطن منذ لحظة ميلاده حتى مواراته الثرى00 تعد عليه أنفاسه وتشاركه مخدعه وتحدد له وجهته ومستقبله وتعترض طريق أحلامه وتخرج له من تحت الأرض وتسقط عليه من السماء كالصواعق 00
فلا يجد من ملجأ أو ملاذ يأوي إليه سوى حائط الصد الأخير ألا وهو "القضاء "
إلا أن ظنه هذا صار من قبيل الإثم الذي يوصم به بعض الظن00 فالقضاء وقضاته صار حالهما أشد حرجاً من حال اللائذ بهما 00
ويبدو أن العصابة الشهيرة الملتفة على عينيها كدلالة رمزية على أنها " العدالة" عمياء إلا عن الحق ولا تعرف الانحياز إلا لضميرها ولا سلطان ولا رقيب عليها إلاّه 0
يبدو أن هذه العصابة قد ترهلت وتزحزحت قليلاً عن موضعها فصارت عين العدالة تقع على ما تحاشت وتجنبت النظر إليه طوال تاريخ عمرها00 فمال ميزانها 00ومالت معه بما يستوجب إعادة إحكام تلك العصابة على عينيها من جديد00
وفي وصف حال القضاء والقضاة وتأسياً منا بقول الله تعالى " وشهد شاهد من أهلها" 0فقد جنحنا إلى طلب شهادة شاهد من أهلها00 والشاهد هنا ليس أي شاهد بل هو بحجم قاضي القضاة 00
00إنه شيخ القضاة المستشار الجليل " يحيى الرفاعي" الذي أراد أن يريح ضميره الموجع فقام بتبليغ شهادته لكل ذي بصر وبصيرة في هذا البلد0000فكان حقاً علينا أن نعرض له ولها00
00ففي نهاية عام 2002 قدم شيخ قضاة مصر المستشار "يحيى الرفاعي" مذكرة موجهة إلى نقابة المحامين المصرية يجسد من خلالها حال العدالة في مصر وينعيها ببالغ الحزن والأسى00
00فقد صرح بلا لبس أو غموض بواقع حال القضاء في مصر بما يجعل الولدان شيبا حيث قال فيها ما مفاده :
إن حكومات مصر المتعاقبة وإن وضعت في دساتيرها نصوصأ أساسية لمبادئ سيادة القانون واستقلال القضاء وحصانته وتحظر التدخل في شئونه00
00فإن هذه الحكومات هي نفسها لم تتوقف يومأ عن تجريد هذه القوانين من مضمونها تماماً بل وتخالفها صراحة لحساب السلطة التنفيذية التي سيطرت تمامأ على القضاء وضربت استقلاله وقواعده وضمانته وذلك من خلال وزارة العدل _ وهي أحد فروع السلطة التنفيذية_تسيطر بها على إرادة رجال السلطة القضائية وشئونهم 0بل وأحكامهم القضائية0
00فما قيمة نصوص الدستور والقانون والحقوق والحريات إذا لم يقم على تطبيق هذه النصوص قضاة مستقلون ومحامون أحرار !
00وقد اهتزت ثقة العامة في القضاء والقضاة خاصة حين يتم تعيين بعضهم محافظين !! وكذلك حينما يلتزم القضاة بضرورة عرض الدعاوى "المهمة" المنظورة أمامهم على رئيس المحكمة للتشاور معه فور حجز الدعوى للحكم وقبل المداولة فيها!! وفي ذلك ما فيه من إثم جنائي وقضائي تنص عليه أحكام الدستور والقانون
00ناهيك عن اعتياد بعض وزراء العدل على التردد على بعض المحاكم وبرفقتهم رئيس أعلى المحاكم المصرية وغيره من كبار رجال القضاء حيث يستقبلون بالزغاريد فينثر الوزير المكافآت بسخاء 00دون أن يكون لهذا العبث أي أصل من شيم قضاء مصر وقضاتها ولا من تقاليدهم في يوم من الأيام00
00ومن ذلك أيضا تطبيقات عملية من العمل العام تم الضرب فيها عرض الحائط بالضمانات التشريعية التي تحول دون تحكم السلطة التنفيذية من خلال وزارة العدل في مرتباتهم ومخصصاتهم – بالتقتير حينا وبالتفريط أو الإفراط أحياناً- حتى أفسدت النظام المالي الخاص بهم وبمجلس قضائهم الأعلى نفسه (!) وأطلقت يدها في التمييز بينهم 00وبما يفتح الباب لاحتوائهم ومصادرة إرادتهم 0خاصة من خلال بدعة مكاتب المتابعة 00
00بل لقد بلغ الأمر في ذلك إلى حد احتفاظ الوزارة بدفتر شيكات رسمي تصرف منه بإرادتها المنفردة أي مبلغ لمن يشاء من رجال القضاء دون أيه قواعد أو رقابة ولا مساءلة ولاحساب!!!
00بل لقد عادت الوزارة لما كانت تجري عليه في مستهل القرن الماضي إبان سيطرة الانجليز عليها لضمان مصالحهم من إصدار التعليمات والمنشورات لرجال القضاء!حتى أنها أفردت أحد هذه المنشورات للتنبيه على رؤساء المحاكم والقضاة بموافاته بصور من صحف الدعاوى المدنية والجنائية التي ترفع على شخصيات هامة مسئولة _ فور تقديمها_ ولم يزل هذا المنشور معمولاً به في المحاكم جميعها حتى اليوم , على نحو يترك أثره الطبيعي على إرادة القضاة عند الفصل في هذه القضايا!!!!
وقد انتهى شيخ القضاة في شهادته إلى ما مفاده 0
00"انعدمت في نظر الناس قاطبة كافة ضمانات المساواة بين المواطنين أمام القانون والقضاء وهو ما انتهى إلى ضياع سمعة القضاء المصري في نظر العالم أجمع حتى صرنا مضغة في الأفواه".
00"يقولون إننا دولة مستقلة ذات سيادة وأن لدينا قضاء مستقل ولدينا سيادة قانون ولدينا برلمان في حين انه ليس لدينا شئ من ذلك كله ولا حتى الحياء".
انتهى
وبعد فهذه مقتطفات من مذكرة ورسالة شيخ قضاة مصر المستشار الجليل " يحيى الرفاعي " وهي متواجدة ومنشورة على مواقع عديدة 00
00ولو أن هذه الرسالة قد ألقيت بأرض صحراء أو طفت على سطح مياه المحيط أو كان ملفوفا بها أحد ساندويتشات "الهامبورجر" والتقطها أحاد الناس في بلد يحكمه قانون ودستور لتزلزلت أركان الأرض من تحتها ولانقلبت الدنيا رأساً على عقب00
00ولانفتحت أنهار التحقيقات والمساءلات والمساجلات وصولاً إلى وجه الحق والحقيقة00
00إما بصحة الوقائع الواردة بها والتعامل معها 00وإما بعدم صحتها ومساءلة من نسبت إليه 0
00ولكن ماذا تقول وهذه الرسالة الصرخة أطلقها رجل بحجم شيخ القضاة وقد بلغت السنة السابعة من عمرها وهي تؤصل وتفسر وتَشْرَح وتُشَرّح ما هبطنا إليه من دَرَك الهاوية 0 وتتنبأ بما هو أخطر00
00ولكن لا أحد ينتبه 0 ولا أحد يسمع 00ويبدو أن الغلبة هنا لقول الشاعر
قد أسمعت لو ناديت حياً 000 ولكن لا حياة لمن تنادي!!!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق